دمشق: أقدم مدينة مأهولة في التاريخ
تعد مدينة دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ فقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ بنائها فهناك من يقول أن سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام ولد بعد بنائها بخمس سنوات كما ورد في معجم البلدان ويعود الفضل في بنائها الى جيرود بن سعد بن عاد بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام كما يرى بعض المؤرخين بينما يرى البعض الاخر ان الفضل في بنائها يعود الى اليونانيين بسبب معرفتهم لحركات الكواكب وحسن اختيارهم لموقعها فقالوا : انهم وضعوا الارصاد وتكلموا عن حركات الكواكب واتصالاتها ومقارنتها وبنوا دمشق فى طالع سعيد واختاروا هذه البقعة الى جانب الوارد بين جبلين. وذكر ياقوت الحموى فى معجم البلدان أن دمشق سميت بهذا الاسم لان الناس دمشقوا فى بنائها أى أسرعوا وتعجلوا وأما الاراميون الذين سكنوها فقد سموها دارميسق اى الدار المسقية أو المروية كما أنها تدعى جلق وعلى امتداد التاريخ تعاقبت على دمشق دول وعهود وأزمان وسكنها العموريون والكنعانيون حوالى الالف الثالث ق.م ثم تعرضت للغزو الاشورى وبعده للنفوذ الفرعونى فى عهد تحوتمس الثالث فى النصف الثانى من الالف الثالث ق.م وسكنها الاراميون وأسسوا ممكلة ارام دمشق ثم حكمها الاشوريون ومن بعدهم الفرس واليونانيون والرومانيون وسموها داماسكس ثم ظفرت بمكانة سامية فى ظل الحكم الاسلامى العربى. وتبلغ مساحة مدينة دمشق داخل السور أى دمشق القديمة حوالى 128 هكتارا اى حوالى 256 فدانا وهى على شكل بيضوى يبلغ قطرها 1600 متر ممثلا بالشارع المستقيم من العهد الرومانى حيث يروى أن القديس بولس الذى فقد بصره فى الطريق الى دمشق سار فيه متجها نحو معبد حنانيا فى نهاية سوق الطويل ليصل عند باب شرقى ليعاد اليه نظره هناك. وأما الدخول الى مدينة دمشق فيجب أن يكون من أوسع أبوابها التى تنقلنا الى أمجادها التاريخية وتحدثنا عن صمودها فى وجه الغزاة والطامعين فقد تم بناء سور كبير للمدينة لضرورات الدفاع عنها وحمايتها وفتحت فيه أبواب للدخول والخروج وكان ذلك فى بداية العصر اليونانى وفى العصر الرومانى تمت صيانته وظهرت سبعة أبواب نسبة الى الكواكب السبعة المعروفة فى حينها نحتت رموزها على تلك الابواب لاعتقادهم بأنها تحمى المدينة وقد دمرت أجزاء من السور عام 749 ميلادى وأخذ السور بالانهيار ثم اعيد تحصينه فى عام 1174م فى عهد نور الدين الزنكى وفتحت فيه أبواب لم تكن موجودة مثل باب الفرج وباب النصر أما الابواب الرومانية الاصل السبعة فهى.. 1 .. باب شرقى ويرمز الى كوكب الشمس وهو الباب الوحيد فى جهة الشرق عند بداية الشارع المستقيم الذى كان يحوى قوس النصر ومنه دخل خالد بن الوليد فاتحا دمشق. 2 .. باب جنيق أو باب السلامة ويرمز الى كوكب القمر وهو أحد الابواب الشمالية للسور واطلق عليه هذا الاسم لانه محمى بمجرى نهر العقربانى. 3 .. باب توما و يرمز الى كوكب الزهرة وينسب الى أحد العظماء الروم وقد تهدم مع الزمن وأعاد بناءه الملك الايوبى الناصر عام 1227 م وفى عصر المماليك قام الامير تنكز بتجديده عام 1333 وقد دخل منه عمرو بن العاص. 4 .. باب كيسان ويرمز الى كوكب زحل وهو باب قديم رغم نسبته الى كيسان مولى معاوية بن أبى سفيان دخل منه المسلمون بقيادة يزيد بن أبى سفيان وأغلقه السلطان نور الدين الزنكى وأعاد فتحه الملك الاشرف ناصر الدين سنة 1363 وأثناء الاحتلال الفرنسى أعيد بناؤه وترميمه وبنيت خلفه كنيسة القديس بولس. 5 .. باب الفراديس ويرمز الى كوكب عطارد ويحمل اسم قرية الفراديس وقد حاصره المسلمون بقيادة عمرو بن العاص حتى استسلمت الحامية البيزنطية. أعيد انشاؤه وترميمه فى عهد الملك الصالح عماد الدين بن اسماعيل سنة 1241 م. 6 .. باب الجابية ويرمز الى كوكب المشترى وسمى بهذا الاسم لانه كان يؤدى الى معسكر للجند مكلفين بجباية الضرائب ومنه دخل جيش المسلمين بقيادة أبى عبيدة بن الجراح لتحرير دمشق وفى عام 1164 للميلاد أعاد الملك نور الدين محمود انشاءه وترميمه ثم قام الملك الناصر صلاح الدين بتجديده. 7 .. باب الصغير ويرمز الى كوكب المريخ وهو أصغر أبواب السور ويقع فى الجهة الجنوبية أعاد بناءه الملك نور الدين محمود سنة 1156 للميلاد وجدد على يد الملك عيسى بن ابى بكر الايوبى سنة 1226م دخل منه يزيد بن أبى سفيان الى دمشق. كما أن هناك أبوابا أخرى لدمشق هى باب جيرون وهو الباب الشرقى لمعبد جوبيتير الدمشقى ويقع فى حى النوفرة وباب البريد. هذا ويوجد فى دمشق القديمة قلعة دمشق التى يعود بناؤها الى زمن السلاجقة سنة 1076 ميلادية بعد طرد الفاطميين منها سنة 1075 حيث أكمل بناءها الامير أرسلان ثم تسلم الملك العادل حكم الشام ومصر 1199 ميلادية وبدأ ببناء القلعة الايوبية واستمر ببنائها حتى وفاته 1218 ميلادية ولم يهدم الملك القلعة السلجوقية وبدأ ببناء قلعة أيوبية متقدمة قليلا عن الخط الدفاعى للقلعة القديمة التى تبلغ مساحتها نحو 33176 مترا مربعا ولها أربعة أبواب و12 برجا. وأما الجامع الاموى جوهرة دمشق القديمة فقد كان معبدا رومانيا للاله جوبيتير ثم أصبح كنيسة ثم جامعا فى زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك 705 الى 715 ميلادية الذى أراد له أن يكون اية ساطعة من الفن والجمال وتبلغ مساحته 15700 متر مربع وهو من أعظم المفاخر المعمارية يتميز بسعته وارتفاع مبناه وجمال ماذنه الثلاث وقبته وجمال لوحاته الفسيفسائية وفى حرمه ضريح يوحنا المعمدان النبى يحيى عليه السلام وله ثلاث ماذن الشرقية وتسمى مئذنة عيسى و الغربية و مئذنة العروس والتى تعد أقدم مئذنة اسلامية قائمة حتى الان كما أن له أربعة أبواب هى باب القوافين العنبرية و باب البريد من جهة الغرب وبابان صغيران باب العمارة وباب النوفرة. كما يوجد فى دمشق القديمة الكثير من قبور الصحابة والقادة الاسلاميين والاثار المهمة مثل البيمارستان النورى والمدرسة العادلية وجامع التوبة والمدرسة الظاهرية والجقمقية ومئذنة جامع هشام وقصر العظم والمتحف الوطنى. وعندما نتحدث عن دمشق علينا الا ننسى كنائسها القديمة رائعة الجمال والفن وقدسية دمشق عند المسيحيين حيث تسمى مدينة الايمان وكذلك أسواقها الممتدة فى قلب المدينة تلك الدروب المغلقة كالاسرار والمعقودة السقوف بأقواس الحجر أو الجسور التى تضج كل أخيلة الشرق فى عتمتها الانيسة وتنبعث عطور جنباتها الواخذة فهناك الايدى الفنانة التى تنقش النحاس والاخرى تنسج الحرير والبروكار الدمشقى المشهور والسجاد والتى تخيط العباءة وتبرم العقال وتلون الزجاج ومئات الوجوه والازياء والالوان والتعابير التى تلتقى وتفترق فى زحمة أسواق دمشق القديمة.. تجتمع وتفترق معا منذ الاف السنين على حجارة أسواقها المتعددة والمتخصصة والكثيرة مثل سوق الحميدية والطويل ومدحت باشا والصاغة والقيشانى والخياطين والعطارين والجمرك والنسوان والصابون والاروان والسجاد والقلابق والنحاسين والحرير والصقالين والذراع وساروجة والبزورية وسوق تفضلى ياست والجمعة وغيرها الكثير وتنفذ الشمس هنا وهناك من الكوى العلوية لبعض الاسواق المغطاة لتنشر حزما لامعة من النور وتعطى السوق بعضا من جو المعابد ذات البخور الالهى لتجعل من زيارته نوعا من الطقوس القدسية اذ لا تكتمل معرفة دمشق القديمة ولا حبها الا بزيارتها.
منقول عن شام برس
12/01/2008
No comments:
Post a Comment