Sunday, July 09, 2006

زيزو... وجيلاد شاليت!.... بقلم: د. غسان رفاعي - باريس

1
قد تبدو المقارنة بين «زيزو» لاعب الكرة الجزائري ـ الفرنسي الذي انتزع محبة الفرنسيين واعجابهم عنوة، بسبب مهارته وبساطته ونزاهته، و «جيلاد شاليت» الأسير الاسرائيلي الذي استخدمته آلة الحرب الإسرائيلية ذريعة لشن أفحش حملة بربرية ضد الشعب الفلسطيني الآمن، نوعا من التعسف السقيم الذي لا يخطر الا على بال مصاب بالشزوفرانيا، او فانتازيا ملوثة يطرحها بهلوان مخبول، ولكن الفنان الكوميدي الأسود «ديودونيه» ـ الذي سحب من التداول الفني بعد أن تجرأ ووضع، في أحد مشاهده المسرحية، الصليب النازي المعقوف على صدر حاخام اسرائيلي، وهو يحرق مزرعة مواطن فلسطيني عجوز ـ هو الذي لجأ الى هذه المقارنة، حينما تحدث عن «زيدان القديس» الذي نجح في تحرير الفرنسيين من عنصريتهم المكبوتة، و «جيلاد المسكين» الذي فجر العنصرية الاسرائيلية، وجعل من ضحايا «المحرقة» جلادين قتلة.
2
حينما وقف السياسي «دوفيليه» الذي يصطاد في الماء العكر العنصري بخبث وقلة أدب، وقال بلهجة ساخرة: «نعم، لم أشعر بالاعتزاز، ولا بالفخر، وأنا أشاهد فريقنا لكرة القدم يحقق الانتصار بعد الانتصار في المونديال. كان يحزنني أن يكون معظم لاعبينا من السود والمهاجرين الأفارقة. لم أحتمل رؤية أحد اللاعبين ممن اعتنقوا الاسلام أخيراً، يقرأ الفاتحة قبل بدء المباراة». لم يصفق له الجمهور بل بدأ يدق على الأرض بأحذيته وهو يهتف : «عاش زيدان»!. ‏
وكان المقال الذي كتبه كبير محرري «لونوفيل اوبسرفاتور» تحت عنوان «زيدان هذا البطل» معبراً عن موقف الرأي العام الشعبي الذي ابتهج بنجاحات فريق كرة القدم برئاسة (زيدان) في مباريات المونديال. قال (جوليارد) في مقا له: «ان زيدان ليس نجما، ولا أسطورة، وانما بطل بالمعنى الاغريقي للكلمة: النجم يستأثر بإعجاب مشاهديه باستثنائياته، وحياته الخاصة المترفة، وغرامياته، والأسطورة تختبئ وراء تميز المرشح وانجازاته الخارقة، ولكن «زيدان» بطل كما ورد في تعريف البطولة في قاموس روبرت اللغوي «البطل انسان يستحق التقدير العام، والتمجيد، بسبب قوة خلقه واخلاصه للمثل التي يجسدها، إنه أنموذج يحتذى به» ويختم (جوليارد) صورته القلمية عن (زيدان) قائلاً: (زيدان أعاد إلينا ثقتنا بمبادئنا التي نتآمر عليها الآن: مساواة، حرية، عدالة، وحررنا من كابوس العنصرية الذي ينتهكنا ويشوهنا».
3‏
لا أعرف من هو (ناصر عطا الله) الذي وجه رسالة الى الأسير الاسرائيلي (جيلاد شاليت) ونشرها في مطبوعة اسمها «الفلسطينية» واقتبست منها أسبوعية «لوكورييه انترناسيونال» الفرنسية مقتطفات، إنني أترجمها الى العربية من الفرنسية، وقد تكون قد كتبت بالعربية اصلا. ولكنني لم أحصل على الاصل وليس بين يدي الا النص الفرنسي. ‏
«جيلاد هل تذكرنا؟ ‏
ابتسم، أنت الآن في غزة، انتظر، أمامك البحر الأزرق، ولدينا خبز ساخن، وبقي لنا بعض أطفال لم يقتلها رصاصكم، ولكنهم يتضورون من الجوع الذي فرضتموه عليهم. ‏
لا تقلق، سنعتني بجروحك، ولن نتردد في أخذ بعض الأدوية مما تبقى من مخزوننا لمداواتك، وتأكد أننا لن نؤذيك، وسوف نشفيك من جروحك. ‏
وغداً حينما تعود الى بلدك، ستتحدث عنا، ستكتب لا شك، ذكرياتك عنا، سوف تعود الى قريتك المزدهرة بشوارعها الفسيحة والمضاءة، والمزينة بأزهار البرتقال وسوف تتذكر صور الأشجار المقتلعة، والبيوت المدمرة ومقابر المناضلين المقتولين برصاصكم، والأزقة المكتظة بآثار الخراب والدمار، وقد تتذكر بأن هذا كله هو من صنع أيديكم. ‏
أنت هنا ضيفنا يا (جيلاد شاليت) بالرغم من أنك ترتدي بذة عسكرية، على الرغم من أنك تلقيت أوامر باحراقنا وقتلنا وعليك أن تطيع هذه الأوامر بحذافيرها، لأنك جندي نظامي، وأنت حريص على أن تقبض راتبك في نهاية الشهر. ‏
ولكن هل تعلم يا (جيلاد) بأنني لم أقبض راتبي منذ أربعة شهور، ومع ذلك اسمح لنا، بعد موافقتك، على أن نحتفظ بك، بعض الوقت، ويسعدني أن تزورني في البيت، وأن تتعرف الى أولادي، وأن تسألهم أنت بالذات ما الذي يشتهونه الآن: اسمع اليهم، وهم يشرحون لك لماذا لا يمكنهم أن يذهبوا إلى زيارة الأهل، لقضاء إجازتهم ولماذا لايحق للأهل أن يزوروهم في مكان سكناهم. ‏
اسأل آخر مولود لي، وهو لا يتجاوز الخامسة، لماذا أنا قاس معه، ومع أخوته أيضاً هذه الأيام. خذه الى جانب، واستمع اليه، لأنه لا يجرؤ أن يقول لك، وبحضوري، انه لم يعد يتلقى مني قرشاً واحدا كمصروف جيب. ادخل الى المطبخ، وافتح البراد، ولا تندهش لأنه فارغ تماماً. ‏
سنعرفك يا (جيلاد) على جارتنا التي تأتي الى زيارتنا كثيراً، انها لا تنسى انها فقدت زوجها الذي قتل وهو يحمل لها ثوبا جديدا اشتراه بمناسبة الاحتفال بعيد زواجهما الأول. كان خطأه الفظيع انه كان يعبر شارع « الشيخ رضوان» في غزة، في اللحظة التي انفجرت سيارة استهدفتها احدى طائراتكم التي تكثر من التحليق فوق بيوتنا وشوارعنا، ان جارتنا ستبقى تلبس الحداد على زوجها، ولكنك بعد عودتك، ستأخذ خطيبتك بين ذراعيك، وسوف تأخذها الى أقرب مرقص لتراقصها على أنغام الموسيقا، وستنسى نهائيا انك قتلت هنا، في غزة، بريئاً لم يؤذك، وانك اقتلعت أشجار الحي بكاملها، وانك دمرت سقف بيت على رؤوس ساكنيه. ‏
لا تخف يا (جيلاد شاليت) سنطعمك بما تبقى لدينا طبعاً، نحن نعرف ان ما تبقى لا يليق بك، كجندي في الجيش الاسرائيلي، تعودت على ثلاث وجبات متوازنة كل يوم، ومعها شراب امريكي مثلج، وحلويات فاخرة، ولكن ارجوك، كن حليما لأننا لا نعرف ان نتصرف بأناقة مثلكم، انتم الذين تفننتم في اضطهادنا، وسلب حقوقنا، وزرع الموت في مدننا وقرانا ومزارعنا. ‏
يا (جيلاد شاليت) انني اعرف ان جبروت جيشك يعطيك الشعور بأنك لا يمكن ان تقهر، وان حكومتك تجتمع الآن بكامل اعضائها لدراسة انجع الطرق لاستردادك، وان الأصدقاء والعملاء يجهدون لإرجاعك الى أمك التي ستبكي من الفرح حين تحتضنك بين ذراعيها، وأن أخاك سوف يعطيك هدية ملائمة للتخفيف عن آلامك ولجعلك تنسى المحنة التي عشتها، بل وقد يقترحون عليك القيام برحلة بعيدة، لمساعدتك على نسيان الاقامة عندنا، غير أننا لا نأمل أن تنسانا، كما ينسى زعماؤك الآلام المبرحة التي يسببونها لأمهاتنا وأطفالنا، ولا نريد أن تنسى المنازل المدمرة، والشوارع المبتورة، ولا الأشجار المقتلعة، ولا سجنائنا الذين يتعفنون في سجونكم، ولا نريد لك أن تنسى المقابر الكبيرة ـ وهي تزداد كبراً على الدوام ـ التي يدفن فيها شبابنا ونساؤنا وشيوخنا،ولا نريد لك أن تنسى آثار حصاركم، ونفاد مخزون الأدوية عندنا واختفاء الطحين من مخابزنا. ‏
وتذكر يا «جيلاد»، أننا لم نأت بك إلى هنا لقتلك ولا لإزعاجك، ولكن كي يعرف زعماؤك أنهم لا يستطيعون أن يقهرونا مهما حالوا وأن الظلم يوّلد عندنا القوة على تحريك الجبال. ‏
4
‏ وسينتصر «زيدان» وسينتزع الميدالية الذهبية في المونديال، وسترتفع راية التضامن الإنساني فوق أنقاض العنصرية والغطرسة، لا في فرنسا، وإنما على امتداد الكرة الأرضية، وسيخفق «جيلاد» في إركاع الشعب الفلسطيني الشهم، وسوف يدفن العدوان الإسرائيلي، على الرغم من جبروته،ودعم قوى الشر له.