ما هي الحقيقة؟ ... الجواب متروك لك لتقرر
كيف تصنع الدعاية الأمريكية الأساطير .... بداية ونهاية أبو مصعب الزرقاوي: بطل للشر بامتياز .... بقلم فلاديمير أليكس
من أجل تلميع صورة بطل الخير جورج دابليو بوش، ابتدعت الدعاية الأمريكية أبطالا أسطورية شريرة: في البدء كان بن لادن، ثم الزرقاوي. وفي الحالتين، يلاحظ الصحفي الروماني فلاديمير أليكس، أن الشيطان هو الملك الساقط: بمعنى أن عميل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تمرد على مديره. وبمجرد صياغة الأسطورة، يتم إلصاق الحوادث الأكثر وحشية به، لتغطية بربرية قوى التحالف
إبان السنوات الأربع الأخيرة، عرف الإرهاب تصعيدا رهيبا على المستوى العالمي. فقد تحول بسرعة من ظاهرة محيطية، إلى خطر على الأمن العام المشترك، صار كابوس كل المجتمعات، سواء كانت ديمقراطية أو غير ديمقراطية. في هذا السياق ظهرت نجوم الإرهاب.
أول "عبقرية شريرة" ولدت في رحم التطرف الإسلامي كانت:أسامة بن لادن. غير أن هذا الأخير يكاد ينسى بسبب دخول شخص جديد على الخط، و إن بدا أكثر غرابة: إنه أبو مصعب الزرقاوي.شخصية كجهولة تماما قبل ثلاثة أعوام، ثم ما لبثت أن نسبها إليه دور زعامة المقاومة العراقية المسلحة، ومسئولية الوقوف وراء كبريات العمليات الإرهابية بالولايات المتحدة وأوروبا.شخصية تبدو في النهاية أشبه ببطل الحكايات الشعبية بعيدا عن كونه إنسانا من لحم و دم. بعض المحللين يذكرون أنه شخص أردني من أصل فلسطيني: أسطورة صيغت لتحقق مآرب دعائية ليس إلا.
"الحرب على الإرهاب"، و التي يقودها الرئيس الأمريكي بوش الابن "كحرب مشروعة" تحدد معايير "الخير" و "الشر" في الأرض، و هو ما يعطي لزعماء الإرهاب الدوليين صفة الشر. وهكذا يتعين على حملات الدعاية الأمريكية في الأساس الإبقاء على حس "الخطر الإرهابي" يقظا في أذهان المواطنين الأمريكان. وعملية اختراع شخصيات معينة، و أساطير معينة عن الارهاب الدولي مثل أسامة بن لادن ( العميل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية)، أو الشخصية الراهنة لأبي مصعب الزرقاوي، لقت الكثير من التسويق الإعلامي، دون أن تكون تحقيقات جدية للقبض على هؤلاء من قبل البنتاجون. فكان أقصى ما أفادت به هو أنها عززت من مصداقية الحرب المعلنة، وبالتالي توسيع رقعة نفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها المباشر.
أفغانستان: البدايات
كتب ميشال شوسيدوفسكي مقالا بعنوان:، "The Pentagon’s New Terrorist Mastermind "، قال فيه أن وكالة الاستخبارات الأمريكية و أجهزتها المضادة للتجسس أسست منذ فترة طويلة منظماتها الإرهابية الخاصة بها. غير أن ثمة عدد من التنظيمات "الإسلاموية" تحركت و تتحرك وفق منطق يبرر الفرص السانحة لتدخل الجيش الأمريكي وفق مخطط سري. و حسب " شوسيدوفسكي " دائما، فإن هذه المنظمة تعمل تماما كما يعمل الذراعان في جسم الإنسان، حيث تتحرك الذراع اليسرى لتهيئ التدخل لليمنى. ثمة إذاً عقل ينسق كل شيء، و يذكر الكاتب أن الحركات "الإسلامية - الإرهابية" التي تطاردها واشنطن الآن، هي نفسها الحركات التي أسستها من قبل
كيف استطاعت الولايات المتحدة اختراع الحركة الإسلاموية الإرهابية؟ يجيب "زبيغنوي برزنسكي" الذي إحدى اللقاءات الصحفية المنشورة في مجلة "النوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية يومي25/21 يناير1998. يكشف هذا المستشار السابق في مشكلات الدفاع القومي للرئيس جيمي كارتر ـ و كان الحوار سبقا صحفيا ـ أن تدخل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أفغانستان سبق الغزو السوفييتي عام 1979. قال: " حسب الرواية الرسمية للحادثة، فقد ساندت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أحزاب المجاهدين ابتداءا من سنة 1980، أي بعد أن اجتاحت الجيوش السوفييتية أفغانستان يوم 24 دسيمبر1979. في الحقيقة، كان ذلك سرا ظل محفوظا إلى الآن، لكن الأمور سارت بشكل مختلف تماما.في الثالث من يوليو عام 1979، وقع الرئيس الأمريكي على التعليمات السرية الأولى لمساندة معارضي النظام السوفييتي في كابول". كان الهدف من ذلك إحداث "فيتنام" ثانية من أجل خراب الاقتصاد و الجيش السوفييتي. وفي إطار هذا المخطط السري، قامت الولايات المتحدة بتمويل و تدريب و تسليح
آلاف الإسلاميين الذين أحضروا من دول كثيرة و من باكستان المجاورة. نشرت مجلة " Covert Action Quaterly " الشهيرة في إصداراتها الأخيرة ملخص أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، و ذكرت أن التطور الذي شهدته ظاهرة الإرهاب شكل حصيلة مقلقة: فقد اخترعت إدارة كارتر إسلاميين في أفغانستان و في إيران، و مددت إدارة ريغان ذلك التعاون الرهيب مع إسلاميي السودان، ووسعت إدارة بوش الأب أكثر فأكثر التعاون مع إسلاميي أفغانستان و السودان، بينما دعمت إدارة كلينتون إسلاميين في ألبانيا و الجزائر و البوسنة و الشيشان، و العراق و ليبيا
من وجهة نظر جيو-إستراتيجية، أسامة بن لادن هو الصديق المفضل للرئيس بوش. فماذا كان بوسع بوش أن يفعل دون بن لادن؟ يتساءل مايكل س.روبر في كتابه " Crossing the Rubicon " [1 ]، وهو صاحب خبرة ثلاثين سنة في مجال المهمات "السرية".يخلص الكاتب إلى أبعد من هذا قائلا:" أعتقد أن بن لادن كان وسيظل دائما عميلا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لحكومة الولايات الأمريكية و لسوق بورصة وول ستريت." وهذا ما يفسر بوضوح لماذا لم يتم القبض على الإرهابي المطلوب الأول دوليا. لكن ومنذ يناير2003، طفحت على الساحة الدولية أسطورة أخرى: المدعو أبو مصعب الزرقاوي، هذا الشخص الذي لم يكن يعرفه أحد من قبل. فمن هو هذا الزرقاوي؟
سيرة ذاتية غامضة لإرهابي مبهم
حتى شهر يناير2003، لم نكن نسمع إلا القليل النادر عن أبي مصعب الزرقاوي. شخص مجهول تحول في ظرف قياسي إلى أشهر إرهابي في العالم. يتمتع بسيرة ذاتية تكتنفها الألغاز والغموض من كل حدب وصوب، حتى صار من الصعب التمييز بين الحقيقة و الخيال في شخصيته. أسطورة يمكن تصنيفها ضمن حكايات الخيال الشعبي، كما يمكن وضعها في إطار الدعاية الحكومية. وبشيء من الحزم والحذر، سنعرض الآن أهم الأحداث التي صبغت تاريخ أبي مصعب الزرقاوي إلى يومنا هذا.
ولد أبو مصعب الزرقاوي قبل ثمان و ثلاثين سنة في محافظة الزرقاء بالمملكة الأردنية، في كنف أسرة فقيرة تعول تسعة من الأطفال. تنتمي عائلته إلى قبيلة "بني حسان" البدوية التي تعد من القبائل الكبيرة والأكثر تدينا بالمملكة الأردنية الهاشمية. اسمه الحقيقي أحمد فاضل حمدان خلايلا، و الذي غيره فيما بعد فصار "أبو مصعب الزرقاوي"نسبة للمحافظة التي ولد فيها. عند بلوغه سن الثانية عشرة من العمر، فصل أبو مصعب الزرقاوي من المدرسة ليجد مأواه في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في ضواحي العاصمة الأردنية عمان. في سن العشرين ذهب لقتال السوفييت في أفغانستان. هناك، اخترع طريقة لصنع القنابل اليدوية. ثم ذهب بعدها للتدريب في مخيمات المجاهدين الذين جاءوا من عدة دول إسلامية، ثم عاد إلى الأردن عام.
في شهر ديسمبر1999، تم ذكر اسم الزرقاوي إبان الهجوم المسلح على فندق " "باديسون ساس" في عمان. كانت الخطة مفبركة من قبل الشرطة الأردنية، تم إلقاء القبض على الزرقاوي، ثم عفي عنه. بعد خروجه من السجن، هرب إلى باكستان، ثم رجع إلى أفغانستان. خلال عام 2002، ناضل الزرقاوي إلى جانب حركة طالبان الأفغانية ضد القوات الأمريكية. يقال أنه جرح في رجله أثناء كمين، إصابة لم تمنعه من الهرب إلى العراق، أين تم بتر رجله المصابة في أحد مستشفيات بغداد. فيما بعد، و حسب كل الفرضيات، عثر التحالف البريطاني الأمريكي على أبي مصعب الزرقاوي اثر اجتياح العراق. كان ذلك في شمال البلاد، بالمنطقة الكردية، المكان الجيد لمواصلة "الحرب المقدسة" على رأس فرقته المحاربة" أنصار الإسلام"، المتكونة من 400 من الأصوليين. أخيرا، في أبريل 2003، بعد سقوط بغداد بين أيدي الأمريكيين، تمت الإشارة إلى وجود الزرقاوي و فرقته في وسط العراق، فيما عرف " المثلث السني".
ميلاد أسطورة
فظهور الزرقاوي على الساحة الدولية إذن كان في فبراير2003، أي ستة أسابيع قبل الاجتياح الأمريكي للعراق
بحجة حيازة نظام صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل، حسب الخطاب الذي ألقاه سكرتير الدولة السابق كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة. أعلن باول يومها قائلا: " ما أريد لفت انتباهكم إليه، هو العلاقة التي تربط بين العراق و تنظيم القاعدة، و هي العلاقة التي تجمع التنظيمات الإرهابية الكلاسيكية بطرق الاغتيال الحديثة.العراق يأوي على أرضه شبكة إرهابية إجرامية يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي، شريك أسامة بن لادن و جماعته من ضباط القاعدة". في كلمته استعمل "كولن باول" اسم الزرقاوي للربط بين صدام حسين أي حزب البعث، و ما تسميه واشنطن "شبكة الإرهاب الإسلامي". بعبارة أخرى، صُوِر الإرهابي المجهول ذو أصل أردني، على أنه على علاقة بصدام حسين ( اللائكي و الشمولي)، في ارتباط صريح بتنظيم القاعدة. هذا اهو الربط الذي مكن إدارة بوش الابن، ادعاء أن النظام العراقي يشكل خطرا على الولايات المتحدة. في قلب هذا التصوير، كان الرجل الأسطورة أبو مصعب الزرقاوي ينتحل شخصية " الإرهابي من طراز رفيع" !
كان اسمه آنذاك مجهولا تماما، حتى وإن عمد سكرتير الدولة الأمريكي إلى توصيفه في عجالة قائلا: " انه فلسطيني من مواليد الأردن، حارب إبان الحرب الأفغانية قبل عشرة أعوام. عند عودته من أفغانستان عام 2000، تزعم قيادة مخيم لتدريب الإرهابيين. برع في إحدى تخصصات هذا المخيم والتي كانت عمليات تركيب السموم. حين طردت قوات تحالفنا حركة طالبان، عملت شبكة أبي مصعب الزرقاوي على إقامة مخيم آخر لتدريب اختصاصيين في توضيب السموم و المتفجرات [....]. وانطلاقا من شبكته الإرهابية في العراق، تمكن الزرقاوي من ممارسة نشاطاته في الشرق الأوسط[...]ليواصل بعدها مع شبكته تنظيم عمليات إرهابية ضد دول كثيرة مثل فرنسا، بريطانيا، اسبانيا، ايطاليا، ألمانيا و روسيا."
هكذا تحول الزرقاوي من واحد من المجاهدين الصغار المغمورين، إلى نجم الإرهاب الدولي في يوم وليلة. ثم ما لبث الأمر أن تأكد بضع أسابيع قليلة، حين ذكر جورج بوش الابن شخصيا اسم الزرقاوي، واصفا إياه بالرجل الأخطر على كوكب الأرض، بعد أسامة بن لادن.
رعب بالولايات المتحدة
بعد خطاب كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي، لم يعد الرأي العام لينسى اسم الزرقاوي. الإرهابي الذي لم يسمع به من قبل، و الذي صار فجأة حاضرا على كل الجبهات. بتاريخ 8 فبراير2003، و داخل الولايات الأمريكية، أطلق إنذارٌ مضادُ ينذر بوجود مادة "الطمر" (الأنتراكس) بالولايات المتحدة. وفي رسالة موجهة إلى "بيل فريست"، زعيم أغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ. تم اكتشاف "مسحوق أبيض اللون مثير للشكوك". تحدثت السلطات فورا عن شخص اسمه الزرقاوي، مشيرة إلى انه العقل المدبر للعملية. وفي عددها الصادر في 18 فبراير2003، ذكرت مجلة " National Review "، المبررات التالية: " من المعلوم أن الزرقاوي، المهندس في مجال الكيمياء الحيوية، وزعيم تنظيم القاعدة، يختفي في أفغانستان، التي تم العثور فيه على آثار الطمر و سموم أخرى." غير أن هستيريا الطمر هذه لم تستقم طويلا. فبتاريخ 13 فبراير2003، بثت قناة "أي بي سي" خبرا مفاده أن الإرهابي الشبح اللاجئ في العراق يحضر لاعتداءات على الولايات المتحدة بالقنابل الإشعاعية. كان ذلك أسبوعا بعد خطاب "كولن باول" أمام مجلس الأمن الدولي.
كان قد تم إعلان حالة "الطوارئ" بالولايات المتحدة ! أعلن "كولن بول" آنذاك لقناة أي بي سي: " لقد بات من السهل على الإرهابيين أن يحرقونا جميعا وبقنابل إشعاعية مصنوعة في الولايات المتحدة. أعتقد أنه من الحكمة أن يعي الشعب الأمريكي بوجود هذا الاحتمال." في هذه الأثناء، وجهت القناة التلفزيونية تحذيرات إلى الفنادق، و المحلات، كما أغرقت كل الجهات بالرسائل الالكترونية التحذيرية. بعد هذا الإعلان، هرع عشرات الآلاف من الأمريكان إلى اقتناء أقنعة واقية من الغازات، و أغطية بلاستيكية، و أشرطة لاصقة الخ..... بغية الاستعداد لمواجهة هجوم إرهابي محتمل.
لقد بات من المستغرب القول، فبعد غزو العراق، لما لم تجد قوات التحالف قنبلة إشعاعية واحدة، و لا أثر للطمر، و لا حتى أسلحة كيماوية مهما كان نوعها، بعد غزوها للعراق.
فرع القاعدة الاسباني
لقد زاد الوزير الأول الاسباني خوزي ماريا أزنار دعامة أخرى لأسطورة الزرقاوي. فبينما قدم "كولن باول" ملف الزرقاوي إلى الأمم المتحدة، أعلن أزنار بتاريخ 5 فبراير 2003 للبرلمان الاسباني أن ثمة معلومات تدعو تقول أن اسبانيا ستكون هدفا لهجمات كيميائية. حسب كلام أزنار الذي نقلته جريدة " البايس" (El Pais ) يوم 6فبراير2003، فقد أقام الزرقاوي علاقات مع مروان بن أحمد، و هو أحد "الخبراء في الأسلحة الكيمائية و في المتفجرات، و الذي زاره في وقت قريب في مدينة برشلونة." أكثر من هذا، فقد ذكر أزنار أمام غرفة النواب بان ست عشرة من المشتبه بهم من تنظيم القاعدة يملكون أسلحة كيميائية و متفجرات، و لهم علاقات مع الإرهابي الشبح المدعو الزرقاوي. المعلومة و ما تحتويه ليس لها أساس من الصحة. فقد اعترف وزير الدفاع الاسباني فيما بعد أن الأسلحة الكيميائية لم تكن في النهاية إلا ادعاء سخيفا" ( اريش نيوز، 27 فبراير2003).
يوم 11 مارس2004، حدثت هجمات مدريد. و إن استبعدت الصحف الاسبانية تورط الزرقاوي، إلا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ذكرت اسم الزرقاوي صراحة كأول مشتبه به. تم تقديم الفرضية على قناة سي أن أن الأمريكية يوم 13مارس2004. أي يومان بعد الهجمات، أي بمجرد البدء في التحقيق الاسباني. استضافت قناة "سي أن أن" ضيفا شرح على أي أساس تعتمد ادعاءاته بتورط الزرقاوي في الهجمات، قال: " حصلت على آخر دفتر مذكراته، الشهر الماضي، و الذي ذكر فيها عن استمرار العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة"!. فيما بعد، تم اعتماد نفس الحجة وبتأويل أكبر. حسب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فإن جماعة مغربية متورطة في الهجمات على مدريد. قيل أن لهؤلاء المغربيين علاقة مع الزرقاوي، حسب ما اكتشفته جريدة " The Australian " بتاريخ 24 مايو2004.
أيام الزرقاوي بالعراق
يبدو الزرقاوي الأسطورة كشخص جد مشغول. لننظر إليه عن قرب، لننظر إلى ما ارتكبه في ربيع 2003. فمنذ اختبائه بالعراق ـ محتميا من أنظار فرقة التفتيش التابعة للأمم المتحدة التي قامت بعملية مسح للبلاد طولا و عرضا ـ، فقد كان بطلنا الإرهابي يحضر مادة الطمر السامة من أجل إرسالها إلى الولايات المتحدة، كان يدفن القنابل الإشعاعية، و ينظم و ينسق شبكته الإجرامية التي امتدت إلى أربعة دول أوروبية، و ليكلل كل هذا، كان يقوم بالتنسيق بين تنظيم القاعدة و نظام صدام حسين ! لم يوقفه شيء و لا حتى الغزو الأمريكي للعراق، بل على العكس تماما ! منذ الاحتلال، صارت الهجمات المنسوبة إليه أكبر و أكثر، من حيث عددها. وما من هجمة إرهابية إلا وذكر اسم الزرقاوي تقريبا
كتبت مجلة " Weekly Standard " المقربة من مجموعة “PNAC "التابعة للمحافظين الجدد يوم 24مايو2004: " الزرقاوي لم يتبنى عملية اغتيال "نيكولا برغ " فحسب، بل هو مسئول أيضا عن المذبحة المرتكبة في مدريد يوم 11 مارس، وعن قصف شيعة العراق في نفس الشهر، وعن العملية الانتحارية في ميناء البصرة يوم 24أبريل. لقد كان الزرقاوي يخطط لقتل السياح الإسرائيليين و الأمريكيين في الأردن قبل أحداث سبتمبر2001."
تحول أبو مصعب الزرقاوي " عبقريا للشر" الإسلاموي الجديد. وتناسى الرأي العام أسامة بن لادن شيئا فشيئا. وسعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من جهتها الى مضاعفة مكافأتها المالية لمن يدل عليه، أو يساعد على إلقاء القبض عليه، تضاعفت المكافأة من عشرة إلى ثلاثين مليون دولار. و هو المبلغ الذي يبدو منسجما مع رتبته كإرهابي متميز.
و على الرغم من تورطه في العديد من النشاطات الإجرامية التي ثبت فيها اسمه، يبقى الزرقاوي رجلا وهميا. وتظل المعلومات المتعلقة به مجرد إشارات مختصرة. لقد اعترف مسئولون من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في نفس الطبعة الصادرة من مجلة " Weekly Standard " أن الوكالة لا تتوفر إلا على صورة وحيدة و التي يُعتقد
أنها صورة الزرقاوي، و أنها تجهل طوله و وزنه !
شريط الفيديو الذي يظهر إعدام نيكولا برغ
اتهم الزرقاوي بالوقوف وراء عملية إعدام نيكولا برغ ( بقطع رأسه) [2] في شهر ماي من عام 2004، بعد أن تم اختطافه.بعض المعلقين لم يترددوا في التنويه بملحوظة مهمة مفادها أن عملية الإعدام تلك حصلت في وقت جد حرج بالنسبة لدونالد رامسفيلد الذي كان يتخبط في فضيحة سجن أبي غريب، مما دفع بالعديد من النواب الأمريكان الى المطالبة باستقالة سكرتير الدفاع الذي حملوه ـ ( أخلاقيا على الأقل) ـ مسؤولية الفظاعات المرتكبة في ذلك السجن.تسجيل فيديو يصوّر عملية إعدام "نيكولا برغ" أثارت لدى الرأي العام جملة من مشاعر التنديد و الضغينة تجاهالعراقيين ،و هو ما أبعد الأنظار عن مسألتين في غاية الأهمية. ففي يوم 11 مايو2004، قدمت قناة "سي أن أن" تقريرا غريبا عثر عليه على موقع إسلامي على الإنترنت، وقد تم فيه توجيه الاتهام إلى الزرقاوي بالضلوع وراء عملية إعدام "نيكولا برغ" بقطع رأسه. يومين بعد ذلك، أعلنت نفس القناة أن: " وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أكدت ضلوع الزرقاوي في عملية الإعدام هذه. الدليل: شريط فيديو يحمل عنوان: "أبو مصعب الزرقاوي ينفذ إعدام شخص أمريكي". في الشريط نرى شخصا مقنعا يتكلم الانجليزية، كان ذلك هو الشخص الذي أعلن عنه خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بصوت واحد: إنه الزرقاوي !
أما الكاتب "سراجين ستاييف" فقد ذكر في مقال له تحت عنوان " Was Nick Berg killed by US intelligence ? "، كتب يقول أن ثمة العديد من الاختلالات في شريط الفيديو. أشار ستاييف إلى أن " الزرقاوي أردني، غير أن الرجل الذي في الشريط لا يتكلم بلكنة أردنية ! قال أن أيضا أن " الزرقاوي مبتور الرجل، بينما الرجل الذي ظهر في الشريط لا يرى عليه أثر بتر الرجل. بالإضافة إلى أن من قدم على أنه الزرقاوي يحمل في يده خاتما أصفرا، ربما من الذهب، و هو الشيء الذي لا يفعله أي إسلامي أصولي لأن إيمانه و قناعاته الدينية تحرمان عليه ذلك".
وسرعان ما فجر هذا الشريط القنبلة الرهيبة التي تدعى الزرقاوي. هاهو بقدميه الاثنتين وخاتمه الذهبي على إصبعه البنصر، ويتكلم الإنجليزية جيدا.هذا ما سارعت مجلة " News and World Report " الصادرة بتاريخ 24مايو 2004 إلى الإشارة إليه قائلة :"ان الشخصيات الرسمية و المخولة بالإعلام بالولايات المتحدة، والتي كانت تعتقد أن الزرقاوي فقد رجله بأفغانستان، قد عيرت آراءها، وهي تعلن الآن أنه يتمته برجلين". هذا تغيرت المسألة.
من غرائب الاختطاف بالعراق
على عكس بن لادن، لم ينادي الزرقاوي قط إلى "الحرب المقدسة" ضد اليهود أو المسيحيين ( الصليبيين). وأثناء تصريحه أمام مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، "نسي" كولن باول أن يذكر واقعتين مهمتين: أولا أن الزرقاوي و تنظيمه " أنصار الإسلام" كانوا معارضين لنظام صدام حسين، و ثانيا، أن الولايات المتحدة لم تبد أية رغبة في تدمير قاعدته في الشمال العراقي( و كان بإمكانها ذلك)، في منطقة تسكنها الأغلبية الكردية. لماذا كل هذا؟ مند متى صارت عمليات الاختطاف أسلوبا استراتيجيا في العراق ؟ منذ حوالي ستة أشهر، أي بعد أن قامت قوى التحالف بقيادة الولايات المتحدة باحتلال البلاد. وفي شهر مايو 2004 ( بعد سنة تقريبا من الاحتلال)، تم إعدام "نيكولا برغ" بقطع رأسه. ثم تلاه كل من أوجين أرمسترونغ و جاك هنسلي في شهر سبتمبر 2004، ثم البريطاني كين بيغلي في أكتوبر2004.
ما يلفت الانتباه كثيرا في الموضوع أن من بين أسرى الزرقاوي نجد شخصيات غير مرغوب فيها من قبل التحالف. غالبا هم رجال أعمال مشبوه بهم بالقيام بعمليات تجسسية، صحافيين " من اليسار" أو من المستقلين الذين ينقلون الوقائع وفق منطق لا يخدم مصالح ضد قوات الاحتلال، و الذين لا يلتزمون الرقابة العسكرية المفروضة، أو أولئك النشطاء في منظمات إنسانية مستقلة.
فمثلا نيكولا برغ كان قد اختطف في الوقت الذي اشتبهت فيه قوات التحالف فيه، و بتنقلاته السرية من العراق إلى إيران. وحسب أقوال والده، فقد كان مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكي يقوم بتحريات دقيقة حول كل عائلة "برغ" في الولايات المتحدة، بحثا عن معلومات حول سفريات ابنهم " نيكولا" إلى إيران. زد إلى ذلك تحقيقات "جليانا سغرينا" الصحفية في جريدة " مانيفستو" ( الجريدة الشيوعية الايطالية) لم تكن أيضا مرغوب فيها من قبل فرق الاحتلال، و التي كانت تذكِر بلا هوادة بجرائم الإبادة في الفلوجة.
ولم تصرح الولايات المتحدة بالحضور إلى العراق سوى لأولئك الصحافيين الذين يحملون صفة " مراسلي حرب"، والمعتمدين من قبل قوات التحالف.هؤلاء يزودهم الجيش الأمريكي بالبزة العسكرية، الى جانب توفير الحماية العسكرية لهم. كما يتلقى هؤلاء في غرفهم بالفندق تعليمات التحالف على أشرطة الفيديو لمعاينته قبل ممارسة مهامهم. و كما كان شأن الحرب في يوغسلافيا سابقا، لم يكن مراسلو الحرب يغادرون فنادقهم لإرسال الأخبار إلى جرائدهم.. بل كانوا يرسلوا الأخبار التي تصل إليهم جاهزة و محمولة من طرف الجيش الأمريكي..
أما بقية الصحافيين، والذين يقومون بعملهم من دون المرور بالرقابة العسكرية، فهم يتعرضون لخطر الوقوع بين أيدي الزرقاوي، و بالتالي يتعرضون للإعدام، أو لمساومة تنتهي إلى دفع فدية. أليس الهدف ممارسة الضغط وإثارة الخوف لدى الصحافيين، و موظفي المنظمات غير الحكومية المستقلة؟ ( انظر برنامج البنتاجون " P2OG ")، قصد إجبارهم على البقاء بعيدا عن المناطق " الحساسة"؟
ومهما بلغت درجة غموض الوضع العراقي اليوم، فانه لا يسعنا إلا الاستغراب الشديد من الطريقة جد الغريبة التي يستعملها الزرقاوي لبلوغ أهدافه ! خصوصا بالنظر إلى عدد العمليات الإرهابية ونوعها، والتي لم تكن بشكل واضح هدفا من أهداف الإرهابيين الاسلامويين.
10,000 دولار لتعزيز مصداقية أسطورة الزرقاوي
ذكر اسم الزرقاوي سنة 2003، لتبرير الحرب على العراق. واليوم يصور على أنه رأس الحربة للتمرد بالعراق، و هي للتأكيد إعلاميا أن السلام غير ممكن الآن، و أن قوات التحالف مضطرة للبقاء لمدة أطول في المنطقة. ينسب لتنظيم الزرقاوي كل أنواع العمليات الإرهابية: التفجير بواسطة السيارات الملغمة، عمليات الاختطاف و الإعدام. جملة من العمليات العديدة و المعقدة يصعب التصديق أنها مرتبكة من طرف رجل واحد. جريدة " The Age " اليومية، قدمت فرضية مثيرة للاهتمام مفادها انه: " لا وجود للزرقاوي". أو على الأقل لا وجود لهذه الهالة الهلامية الغامضة الذي تصورها مصالح الاستخبارات الأمريكية. انه شخصية وهمية. تنقل جريدة " The Age "، شهادة ضابط ( لم يكشف عن اسمه) من ضباط العمليات السيكولوجية في الجيش الأمريكي. ذكر الضابط للجريدة الاسترالية: "لقد دفعت ما يقارب 10,000 دولار لأشخاص انتهازيين و مجرمين لكي يلفتوا الانتباه الى وجودهم، ولكي يصرحوا حين يسألهم الصحافيون أن الزرقاوي موجود، ويقف وراء جميع العمليات الإرهابية في العراق".
فأين هي الحقيقة و أين هو الباطل وراء أساطير الزعماء الإرهابيين الجدد؟هل تمت فبركة هذه الشخصية إجمالا في مخبر للدعاية المغرضة و تشويه الحقائق؟ وهل تم تضخيم "الصورة" انطلاقا من الواقع ؟ مهما يكن، فوكالة الاستخبارات المركزية تعرف الكثير بلا شك من بداياته في مسيرة نضاله الإسلامي !
تتفادى وسائل الإعلام التذكير بحقيقة في غاية الأهمية: " نشأة تنظيم القاعدة عام 1987، في مخيمات الإسلاميين في باكستان، بصفتهم يشكلون تيارا مدعوما من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية و الجهاز المضاد للتجسس التابع لباكستان، والذي حارب بدوره السوفييت في أفغانستان. كانت تلك هي الفترة التي تم توظيف أسامة بن لادن من طرف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تماما كما حدث مع الزرقاوي، فقد كان أسامة بن لادن يخدم المصالح الأمريكية ضد عدو تلك المرحلة، أي الاتحاد السوفييتي. هذه الحقيقة اعترف بها سكرتير الدولة الأمريكي الأسبق كولن باول بتاريخ 5 فبراير2003 في تقديمه للوقائع العراقية أمام مجلس الأمن الدولي. ثمة وثيقة مهمة، تم تجاهلها من قبل كبريات الصحف و القنوات التلفزيونية، فيما يخص المساعدة و الدعم الكبيرين المقدمين إلى تنظيم القاعدة من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية طوال تلك السنوات. شخصيات سياسية معروفة مثل كولن باول، و ريتشارد أرميتاج تورطا بشكل مباشر لأجل تحديد تمركز المجاهدين ومراقبة الإسلاميين في أفغانستان. في هذا السياق نختم بالقول أن كل من أسامة بن لادن و أبو مصعب الزرقاوي شخصين صنعتهما وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وهاهو مبرر جديد يتبلور لدى المحافظين الجدد: " الزرقاوي يتلقى الدعم المادي واللوجستي من إيران"!. وهذا ما يفسر وقوع إيران تحت المجهر الأمريكي، وهاهي قائمة دول "محور الشر" تتشكل وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية. هكذا، تبدو مرحلة الزرقاوي بعيدة عن الانتهاء، إذ يبدو محتملا جدا أن يتم استغلال هذا الإرهابي الشبح ضد إيران أيضا.
فلاديمير أليكس
صحفي في يومية " Ziua (النهار) في بوخارست، مؤلف لكتب تعنى بالتاريخ المعاصر، بالخصوص سيرة حياة نقدية عن الرئيس الأسبق "ايون اليسكو"
منقول عن شام برس
19/6/2006
No comments:
Post a Comment